بسم الله الرحمن الرحيم و الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين ،
من بين المفاهيم المفسّرة لكلمة العادات والتقاليد ، نجد بأنها عبارة عن مجموعة من الأنماط والسمات الثقافية ، التي تشمل التراث ، والقواعد والقوانين و أنواع السلوك المتنوعة التي يفرضها المجتمع السابق على خلفه اللاحق ، مع العلم أنها تتعرض عادةً لبعض التغيُيرات كاللباس و المعيشة ، كما يمكن تعريفها بأنها مجموعة من الأنماط الثقافية المختلفة و المتنوعة التي تركها لنا الجيل السابق كتراث اجتماعي .
ـ في البداية أود أن أقول بأنّ الكتابة في مجال العادات و التقاليد ، لأي بيئة اجتماعية كانت ، يتطلب الإلمام بمعلومات كثيرة و إقامة دراسة أكاديمية سوسيولوجية بأتمّ معنى الكلمة ، و هو ما نفتقده ،لكوننا نفتقد إلى التخصص المطلوب.و لكن كانت رغبتنا في تدوين بعض العادات لعلّها تفيد طالبيها ، كما سنذكر الأشياء على شكل حكايات ، مع التركيز على أسماء الأشياء كما هي ، لعلها تفيد في إنجاز دراسات في المستقبل .سنتعمّد سردها كما هي باللسان الدارج الفصيح أو الهجين أو المستعرب و غيره .
و ربما تفيد في طبيعة معيشة السكان و نمط حياتهم بصفة عامة ، و ربما لا يصلح لها مصطلح عادات و تقاليد ، فيمكن اكتشاف جزء من الفلكلور العام للبلدية .
حمام السخنة ، منطقة تابعة لولاية سطيف ، لها حدود مع ولاية باتنة يغلب عليها النمط البدوي الريفي ، مزيجاً بين السكان القدامى وعرب التلّ والرّحالة العشّابة مع مسحة خفيفة للطابع الأوراسي . نستنتج من ذلك بأنّ النمط المعيشي كان ولا يزال في أغلبية جوانبه مستوحي من نمط معيشة سكان الهضاب العليا أساسًا .
منطقة حمام السخنة تتبع في السابق ما يعرف بعرش أولاد عبد النور التي يمتد من نواحي حمام السخنة و الطاية إلى نواحي البلاعة شمالا .و قد كانت حمام السخنة مع بلدية الطاية ، تشكلان بلدية أم العجول .التي قُسِّمت بدورها إلى ثلاث عروش صغيرة وهي عرش أولاد يلهوشات [ أبو الهوشات ] الذي يمتدّ طبيعيًا من عين السبع و المعذر و المنشار إلى شمال حدود بئر العرش ، ثم عرش أولاد زعيم و الذي يمتد من أم العجول و يشمل دوار أولاد هلال و أولاد العزّام و أولاد عثمان و أبو الأرباح إلى حدود البلاعة و وادي بوصلاح ، ثم عرش أولاد بلخير [ أبو الخير ] الذي يشمل دوار الشوادي و أولاد عدوان و الطاية إلى حدود شجرة أم الشلالق على مقربة من بلدية الولجة .
وبما أنّ حمام السخنة منطقة رعوية بالأساس ، أدى بالسكان إلى الاعتماد في معيشتهم على تربية المواشي من إبل في السابق وغنم وماعز وخيول وبغال وأحمره ثم بقر، في اللاحق . وحرث الصالح من المساحات شعيراً أو قمحًا .وأكلتهم لا تخلو من مادة الحليب أو اللبن أو الزبد أو الدهان الحار أو الكليلة . ويقايضون بالشعير أو القمح ، التمر والحلفاء والدباغة والملح و التمر المعجون [ الغرس ] و المثنان و البرادع و أفرشة الحلفاء ، مع الباعة الجوّالة على ظهور الإبل الوافدة من جبال ولاية باتنة سالكين طريقاً ريفياً يؤدي إلى منطقة بلزمة .كما يقايضون بالشعير أو القمح أو الصوف أو جلود الحيوانات أو بيض الدواجن ، مع الباعة المتجولين على ظهور البغال و الأحمرة القادمين من جهة الشمال سالكين عدة طرق منها طريق المنشار تربط بين المنطقة و – القبائل الكبرى و القبائل الصغرى ـ ، ما نضج من الفواكه الموسمية من التين و التين المجفف و الفرماس أو المشمش المجفف والتين الشوكي والخرّوب والزيوت والتوابل و الصابون و الشبّ و الفلفل اليابس و القطران ، و أدوات الزينة كالعطر و المرية و الكحل و السواك و شراك السبسب و كذلك الحلوى ...... و هي سلع توضع في التليس أو الشواري أو الغرائر بحسب وسيلة التنقل و السلعة المتوفرة . كما كان بعض السكان يقوم بهذه المهمة أيضا ، فيذهب أو يقايض ما عنده من غلّة و أنعام خاصة مع سكان جهة القبائل .
ـ كان السكان يذهبون إلى سوق الجمعة الزاخرة و الكبيرة التي كانت أم العجول تفتخر بها على باقي المدن المجاورة لها، إذ أنشئت هذه السوق في نهاية العشرينات من القرن العشرين الميلادي، حيث أنّ سهول البلدية و هضابها البسيطة ، تعدّ ثروة غنية بالشعير و القمح اللين ، يستفيد منها و يستثمرها المعمِرون أو الكولون القادمين من جزيرة كورسيكا و جنوب إيطاليا و مالطا و فرنسا و اسبانيا ،و حتى دروز ....
ـ كانت أراضيها حقلا خصباً و مرعى لآلاف الرؤوس من الماشية و الغنم ، و مازالت ، و لم تيأس لأن أهلها يحملون صبر الأرض ، و عمق الجذور و أمل الغيث و عذوبة المياه.يتطلعون كل عام إلى حبّ الحصيد و العولة و صحة الماشية ،كون هواء المنطقة و اتساعها يشكل مناخا مساعدًا لتربية المواشي .رغم قول العارفين في الحرث و الغلّة بأنّ تراب حمام السخنة إن أصابه ريح الجنوب و ضربَه الجفاف ، فإن ّ الأرض تتحول إلى شبح حزين و صامت ، فتتحوّل الأراضي إلى مراعٍ للماشية لا للحرث . هذه العوامل الطبيعية ساعدت على إنشاء سوقًا له سمعة وطنية .
ـ أنشئت السوق لتكون تجمعاً كبيراً للمنطقة بأسرها ، للماشية و مصنوعات الحلفاء و أدوات الفلاحة التقليدية كالمنجل و الغولية و السكّة و القفف و المذراة و اللوح و الشبكة و الشِّكال و المشط و الممشاط و غيرها ....مثل الشريط، و التزود بأنواع التمور و شحم البقر و البعير و الماعز و لحم الجعوط و الجديان و غيره مثل الضأن .كما كانت السوق ملتقى للسكان و المعمرين أمثال ـ قودار ـ بيير ـ قرادو ـ باطاي لعرض و بيع منتوجاتهم ....و هي أسماء لكولون جيء بهم لحرث الأرض و حلب الضرع ، و استغلال عرق سكان الأرياف و سواعدهم ، لكن انكسرت هذه الأسماء و لم تبق إلاّ بالذاكرة الشعبية لسنين طويلة .و سكان بلدية حمام السخنة يسافرون إلى أسواق المدن المجاورة على مدار أيام الأسبوع.
ـ فيوم الجمعة : سوق أم العجول الذي تحوّل إلى حمام السخنة .
ـ ويوم السبت : سوق سبت بن غزال الذي تسمىّ اليوم عين جاسر
ـ ويوم الأحــد : سوق العلمـــة
ـ و يوم الاثنين : سوق سطيف
ـ و يوم الثلاثاء : سوق تاجنانت و بيضاء برج
ـ و يوم الأربعاء : سوق رأس العيون و بريكة
ـ و يوم الخميس : سوق خميس الأشراف أو المسيل . و كذلك عين ولمان
ـ يذهبون إلى الأسواق بالمبيت لبعد المسافة ، حسب ذلك الوقت ، و كانت وسيلة النقل لدى السكان إلى المناطق المجاورة و الأسواق هي الخيول و البغال ، بها يتباهون ويزينون بها أعراسهم حيث يقيمون (مشاوير السابوق ).و هذه بعض الصور التي تعكس عادات وتقاليد أهل منطقة حمام السخنة , منها ما اندثر ، متأثرا ً بنمط الحياة الجديدة ، ومنها ما لا يزال قائمًا يمارس عند بعض العائلات .
ومن عادة نساء المنطقة ، أنه بعد جز صوف الأغنام ،تأتين إلى قلتة الإبل لغسلها ، و عادة ما يكون ذلك في شهو الصيف ، لتكون على أهبة الاستعداد في فصل الخريف لتنسج مناسجها.
كما نسجّل قيام بعض سكان البلدية بهواية الصيد في شط السبخة و غيرها ، فيصطادون الأرنب البري و الحجل و الغرنوق ـ و الرّهو [ البجع ] ومختلف الطيور.كما يقوم الصغار ، بصيد مختلف الطيور الصغيرة مثل طمّاع الرعيان و التُّرايش و الزاوش و السُّلايح و السُّماني و الزرزور و الحمام و ، اصطياد
الجرابع [ اليرابيع ] في شهو الخريف . كما يقوم بعض السكان بجلب الماء إلى البيوت من عين القارصة أو حمام السخنة أو عين السبع و غيرها مثل الآبار ، بواسطة براميل من اللوح أو القِرب المصنوعة من جلد الماعز على ظهور الدواب قبل أن تتطوّر مظاهر الحياة و تأخذ الشكل الحالي .
المحافظة على الدِّين و الاحتفال بالمواسم
كباقي سكان المناطق الأخرى ، كان السكان يعلّمون أبناءهم تعاليم الدين الإسلامي ، بداية بحفظ و تعليم القرآن الكريم للبنين و البنات ، فقد كانت الأسر الميسورة الحال ، تخصص مكاناً لتعليم أبنائها على يد أحد معلمي القرآن الكريم الذي يسمى ـ الطالب ـ بحيث يتعلمون منه زيادة على حفظ القرآن الكريم ،إقامة الصلاة و صوم رمضان ،وتعلّم المبادئ الإسلامية كشعائر الزواج و المأتم و إقامة الصلح بين الأفراد ، وحقوق الجيران ، و رسم و رصد الكتابة و الحساب العام أو ما يعرف في ذلك الوقت بـ الغباري و الأناشيد الدينية و المديح .
ـ كان في كل دُوّار ـ جامع صغير لتعليم القرآن الكريم ، و تمارس هذه المهنة المقدّسة و النبيلة ، خِلسة على سلطات الاحتلال ،التي كانت تمنع ذلك .و في كل مساء ، يقوم الطلبة أوـ القدادشة ـ بتكرار القرآن الكريم ، و تجويده حتى يبقى في الصدور .و في بعض المناسبات تقرأ قصيدة البردة ، فكثيراً ما تسمع القدادشة يرددون :
مولاي صلّي و سلّم دائما أبدا على حبيبك خير الخلق كلهمِ
أمن تذكّر جيرانٍ بذي سلم مزجت دمعا جرى من مقلة بدمٍ
أم هبّت الريح من تلقاء كاظمة و أومض البرق في الظلماء من إضم
...... الخ كما ينشدون ، أنشودة تمجّد القرآن الكريم ، و مطلعها
خير ما يُتلى و ما يُقال .... و خير ماينفق فيه المال
تلاوة القرآن عند الناس ...كذا روى أهل القياس ........
ونذكر هنا بعض معلمي القرآن الكريم على سبيل المثال لا الحصر ، الشيخ سحنون الطيب الذِّكر و الشيخ محمد الكواشي المدعو القصير و الشيخ محمد بن السعدي الفردي و سي عيسى بن الشاوش و سي اللافي بن عمر و غيرهم كثير ... جزاهم الله عنّا خيراً كثيراً. و كان عند ختم كل طفل لحزب أو ربع القرآن أو نصفه أو مجمله ، في كل مرّة تزوّق لوحته ، ليحملها إلى أهله أين يستقبل استقبالا خاصاً و يحتفى به احتفاء كبيراً ، فالأم تزغرد و تصنع له مآكل خاصة له و للمعلّم و القدادشة .و عندما يختم الشاب القرآن الكريم أو عندما يحلّ أحد العيدين ، تزوّق لوحته و يُحتفل به ، و تصبح له مكانة احترام بين أهله و أترابه ، و تنشد له أنشودة مطلعها :
خط العيد خطّطناه
في الألواح زوّقناه
شيخنا زوجّــــناه
جبنا له حوريــــه
من حوريات الجنه
ـ و عندما يعود إلى المدرسة القرآنية ، يعود و معه هدية إلى سيّده ، كما يأخذ معه أدوات الكتابة من صمغ لصناعة الحبر و صلصال و قلم و دواية [دواة ] ، له و لزملائه .
ـ و في رمضان المعظّم ، و نظراً لعدم وجود الساعة لرصد الوقت ، فإنّ وقت صلاة المغرب يكون بعد أن يقوم أحد الصِبية برمي عصا اتجاه السماء فإن لم يكد يراها جراء الظلام ، يُعلَن حلول وقت الإفطار ، ثمّ يأتي السحور بعده مهتدين بأحد نجوم الليل ، أو سماع عوعشة الفراريج في البُكرة الأولى.
المولد النبوي الشريف : هي مناسبة الاحتفاء و الاحتفال بالمولد النبوي الشريف ، و عادة ما يغني الأطفال : مولود يا مولود مولود النبي لا لا فاطمة بنت النبي ...........
والنساء يزغردن ويحتفلن به احتفالا جماعيا ويقدّم الطعام في" المثرد للرجال والنساء .
وتشعل الشموع وتستعمل الحناء والبخور و الجاوي ويقرأ القرآن في الزاوية وأحسن أكلة هي الشخشوخة الخاصة بالظفر أو الكسكس التقليدي أو الطُّمينة .
الزردة : هي اجتماع أهل الدوار في مكان واحد ، بحيث تقمن النسوة بفتل الكسكس والرجال يسبّحون بعدما قاموا بشحذ المال ، و ما لزم للزردة ، و يقومون بتحضير الغذاء وبعدها يوزع على المجتمعين من الفقراء والمحتاجين ، ثمّ يكون فيها الدعاء من أجل سقوط الأمطار ، و تقام الزردة في مكان يسمى الزاوية أو مزارة لأحد الأولياء الصالحين ، و عادة ما يكون أحد الجدود الصالحين لدوار معين .
موسم الربيع : وهو عيد جميل ، يحل ما بداية فصل الربيع ، أين تردد فيه عدة أمثال شعبية منها :
إذا روات في مغرس هيي الخيل على ماه تدرس .
وإذا روات في أبرير هيي المطامر فاه تدير .
وإذا روات في مايو هزوا المناجل و هيّوا .
هذه أمثال شعبية ، قيلت بناء على التجربة في الحياة ، و إذا دخل شهر مارس و نزلت فيه الأمطار فتهيأ الخيل لدرس القمح وش راء البغال تحسباً لذلك . أما إذا نزلت في أفريل فلبد من تحضير المطامير " مخزن " تحت الأرض لتخزين المحصول حتى لا يفسد.
أما إذا نزلت في ماي فيلزم من تهيئة المناجل لحصد القمح أو لمّ المحصول .
الاحتفال بموسم الصيف : وهو ما يسمى بموسم الحصاد ، و يحتفل به في بدايته ، وتقوم المرأة بعد ذلك بطحن القمح والشعير المدروس ثم تخزنه لخبزه خلال العام بأكمله .
كما يقوم الرجال بجمع ما يكفي من المال لشراء بقرة أو معز ، فيذبحون ما اشتروا ثم توزع على المشتركين دون نسيان المعوزين و المحتاجين .و أشهر أنشودة في هذا الموسم هي :
دراس دراس و الشخشوخة بالفرماس.......
الإحتفال بختن الأطفال " الطهارة " ، و تعني طهارة الولد من الأوساخ ، عبارة عن عادة من عادات الأجداد و سنة سيدنا ابراهيم الخليل عليه السلام ، و سنة من سنن رسولنا – صلى الله عليه وسلم - وفيه تجتمع العائلة وأهل العشيرة . وفي المساء تقوم الوالدة بتحضير" القندورة " والشاشية التقليدية ليلبسها الولد مع البرنوس مرتديا " محرمة "خضراء وهذا ليكبر مع الخيرات ، لكي تتقدم الجدة أو أ حد من عماته أو خالاته مع العائلة حتى تضع له الحناء والزغاريد من حوله . أما في الصباح يأتي الختّان [ الطهّار ] للمنزل ليختن الولد رفقة عشيرته وبعدها يقوم العرس بحضور الفرسان . أما الأمهات رفقة فتقمن مع البنات و الجدة بحمل " قصعة العود " فيها القليل من التراب الذي أخذت منه الجدة من قبل وفيها القليل من الحلويات مع نزع من الولد وهذه الأشياء الموجودة في القصعة تدفن في الجهة التي أخذت منها الجدة التراب ، مع المقياس[ من نحاس أو فضة ] القديم الخاص بالجدة . و الإحتفالات قائمة لمدة أسبوع كامل مرددين أغاني نذكر على سبيل المثال :
طهِّر يا المطّهِر يا بو شاشية
طهر يا المطهر صحة لأ يديك
ما تجرحش وليدي ، لا نغضب عليك
ما تجرح ش وليدي العزيز عليًّ
حكاية القصص جزء من يوميات البدوي
يعتبر سرد القصص على الأبناء أثناء الليل خاصة في فصل الشتاء ، و أثناء الليالي الطِوال ، جزء من ديكور المعيشة اليومي ، فبعد صلاة العشاء ، و نظراً لانعدام الكهرباء و بالتالي انعدام جهاز التلفزة ، فإنّ الوسيلة الوحيدة للتسلية هي الاستماع إلى قصص الجدّة أو الأم و هي تحكي قصص احوال العائلة في الماضي أو تسرد القصص الشعبية القديمة .و من القصص التي كانت تحكى بكثرة ، قصص ـ بقرة اليتامى – صغرونة و الغولة ـ أم سيسي و الجربوع ـ حديدوان ـ الراعي و المعيزات ـ ذياب الهلالي و الجازية - نعرة و الغزال - نجمة خضّور ............ الخ.كما تحكى قصص الأجداد ، و منها على سبيل المثال ، قصة الشيخ المدني بن علي بن عيسى بن الحاج الذي ذهب إلى تأدية فريضة الحج سيراً على القدمين و معه كلبته ، بحيث دامت مدة السير ذهاباً و أياباً حوالى عامين ، و ظنّ أهله بأنه مات لا محالة ، و لكن فجأة عادت كلبته و كانت جلداً على عظم و خاصة طرفيها السفليين ، و بعد شهرين من ذلك وصل الحاج المدني ، و في اليوم التالي ، ماتت كلبته .
كما نشير بأنّ أهل ـ حيزية ـ بطلة قصة الحُب العذري مع سعيد خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر ـ ،كانوا يعشِّبون و يرتجلون خلال فصل الصيف في تلال حمام السخنة و بازر سكرة ، و تروي الروايات بأنها مرضت المرض الأخير قبل الموت بعد عودتها من رحلة الصيف من بازر سكرة إلى منطقة سيدي خالد و الزيبان، و لا مناص بأنّها مرّت على تل حمّام السخنة عائدة إلى ضواحي بسكرة ، تاركة وراءها قصة حبّ خالدة.
بعض المأكولات الشعبية الخاصة بالمناسبات
وأهم المأكولات في فصل الربيع .
البراج : عبارة عن دقيق مع غرس ثم يمزج مع بعضهما ثم يطهى جيدا داخل الكانون ثم يؤكل .
الرفيس التونسي : عبارة عن دقيق محمّص مع غرس وزبدة ثم يُمزج هذا الخليط ليتخذ عدة أشكال . أضف إلى ذلك التمر والحلويات التي تقدم للأطفال .
القرصة : عبارة عن كسرة ، يضاف إليها صفار البيض ، ثم تضاف إلى المأكولات الأخرى وتقدم للأطفال وبعدها تقوم العائلة بالخروج في نزهة ترفيهية في مكان يسمى" المرجة " التي تتميز بطابع الاخضرار الخلاب وتستمر هذه النزهة حتى غروب الشمس.
بعض المأكولات المعتمدة في الحياة المعيشية
إن هذه الأنواع من المأكولات كانت تعتمد على ما تنتجه الأرض بالدرجة الأولى من قمح و شعير. و تمثل نمط العيش.
كسرة الشعير : وهي الحرشاية ـ أكلة شعبية تخبز بكثرة , وهي دواء في آن واحد .
بربوشة الرغدة : عبارة عن كسكس وهذا بعد عملية طحنه و حصوله على " بربوشة " عن طريق دقيق شعير .
المسفوف : وهي أكلة جد شعبية شبيهة بالكسكس ولكنه رقيق مقارنة مع الكسكس العادي ، الذي يضاف إليه زبيب الذي يسقّى باللبن.
الخليع أو القديد : لحم الأغنام " الكباش " الذي يوضع فيه القليل من الملح . وبعد ها يوضع ليجف لمد ة 15 يوم أو أكثر ليؤكل في فصل الشتاء
العصيدة : وهي عبارة عن دقيق القمح , يضاف إليها زبدة ثم بيضتين وبعدها تمزج كلها وتغلى ثم تضاف إليها كمية من السكر .
الروينة : وهي شبيهة بالطمينة , مقاديرها تقليدية : حليب , غرس ودقيق القمح المستخرج من القمح , سكر كلها تمزج تحت نار تسمى "الكانون "
الفول المدشش " اليابس : الذي يغلى ثم تنزع منه قشوره وبعدها يضاف إليه الحليب لكي تمزج بعد ذلك مع الكسكس .
الكرّاث : وهو عبارة عن نبات كان يستعمل في الحليب و الكسكس شبيه بالبصل الحالي أي كانت معيشتهم تتمثل في الكسكس والكسرة بالكراث " البصل " في الغداء أما في العشاء فيتمثل في الحليب الممزوج بالكسكس في صحن واحد وكل أفراد العائلة مجتمعين.
أسماء بعض الأواني و بعض الصناعات التقليدية
المزود : إسم لآنية يوضع فيها الدقيق .
القربة : مصنوعة من جلد الماعز ., يصبغونها بالدباغة , والقطران ثم تغسل على طريقتهم . وعندما تجف يوضع فيها الماء الصالح للشرب.
الكانون : وسيلة للتدفئة .
قصعة العود : تصنع من الخشب
الملاعق : " المغارف " كذلك تصنع من الخشب .
الآواني الفخارية أو الطينية : خاصة" الطواجن " المصنوعة من الطين . بالإضافة إلى الصحون الفخارية مثلا برمة الطين . ويقال عن هذه الآواني ٲنها تحتفظ بحرارة الطعام .
المطحنة : آلة تقليدية ، تستعمل للطحن ، سواء القمح أو الشعير مصنوعة من الحجارة عملها يدوي .
نسيج الزرابي : تقوم كبيرة البيت بصناعة الزرابي التقليدية ، من صوف .... وصناعة الحنابل التي تقي من البرودة في فصل الشتاء ونسيج البرانيس
تشخشخت : نبات يستخرج من الأرض ، ويجفف ويطحن ثم يوضع في الماء، لغسيل الملابس " رغوي "لغسل الصوف " غسول الملابس " .
المحراث.
بعض الألعاب التقليدية
كما نعلم أنا لكل جيل ألعابه الخاصة به ، فلقد كان الجيل القديم يعمل أكثر من أن يلعب لكن هذا لا يعني أن الألعاب كانت منعدمة ، بل كانت موجودة وهي متنوعة منها ما هو فكري وما هو عضلي . وجماعية وفردية ، ومن هذه الألعاب نذكر :
التسابق بالأحصنة : وتكون بكثرة في الأعراس ، والمناسبات السعيدة . ـ السابوق
المخرقبة : وهي لعبة شبيهة نوعا ما بالشطرنج ، تلعب على الأرض بين شخصين، و متفرجين و مشجعين ، ثم تحفر في الأرض حفراً صغيرة ثم توضع عليها حصى و نوى والتي يكون عددها 24 ، وهي لعبة فكرية تحتاج إلى تركيز من اللاعبين .
لعبة الكرة : عبارة عن لعبة خاصة بالذكور تلعب فريق ضد فريق آخر وتلعب بكثرة في فصل الربيع . و هي تعرف باسم ـ لعبة المطارق .
لعبة القصب : عبارة عن مجموعة من القصب عددها 10 تجمع ثم ترمى على الأرض ، والرابح فيها من تظهر له جميعها على وجه واحد .
الخاتم : لعبة أكثر شعبية ، مازالت تلعب لحد الآن في البيوت عبارة عن خاتم أو أي شيء ما يمارس بين طرفين ، يقوم شخص بتخبئته الخاتم في إحدى اليدين ثم يقول للشخص الثاني : أين هي الخاتم ، وهكذا دواليك .....
لعبة المنكز : عدد الحجارة فيها 6 ، منها 3 حجارة و3 علف " الخاصة بالتمر .
أحسن رقصة لحصان : كانت متواجدة بكثرة ثم إندثرت والحصان الأحسن يفوز صاحبه .
الوشــم : ربما هي عادة و ليست لعبة على جلد البشر ، إن هذا العادة قديمة جدا يعود تاريخها إلى اليونان القديمة. والوشم عبارة عن رسوم منقوشة على الجلد في أماكن مختلفة للجسم وها بسبب تقاليد اجتماعية موروثة أو أسباب نفسية أو حتى للزينة ، إذ يستعمل لكلا الجنسين سواء كان ذكرا أم أنثى ، وكانت المرأة توشم وهي صغيرة حتى لا تختطف أو لا تضيع ويكون الوشم مختارًا من الشخص الذي يريد أن يوشم ويختار الشك المناسب وهذا بدافع نفسي كامن في اللاشعور مثلا ( ۞ ،..Ф .. ، Ө ، ÷ ...إلخ )
بعض الألبسة الخاصة بالمرأة
كانت المرأة ترتدي ألبسة تقليدية ، ولكن للأسف زالت تلك الألبسة وأصبحت في مهب الريح ، وتمثل بالدرجة الأولى بالمجوهرات : التي تصنع من الفضة الخالصة وتكون منقوشة بألوان زاهية مأخوذة من الطبيعة .
الرديف : نوع من الحلي التقليدي مصنوع من الفضة , تضعه المرأة في رجليها ، شكله دائري منقوش.
الخلخال : كذلك مصنوعة من الفضة الخالصة ، تضعها المرأة في كلتي اليدين وتشبه ما يسمى اليوم " بالسوار " . يشبه الشكل التالي ( )
اللباس التقليدي " البينوار "وهو البينوار التقليدي يصنع من الكتان ،الحنين على الجسم أملس "
المحارم : كانت تضعها المرأة على وناعم يسمى " الكمخة رأسها للسترة والجمال أيضا .
الملاية : تستعمل لسترة نفسها من عيون الناس .
العجار : شبيه بالملاية لكن الأولى سوداء و العجار أبيض .
الكحل : عبارة عن مادة تستعملها المرأة لتجميل عينيها إذ كانت تستعمل " العفص " لتكحيل عينيها . اما الآن فأصبح يستعمل كدواء لمعالجة البواسر ،إذ يوضع في القليل من الماء على النار لمدة معينة حتى يتغير لونه ثمّ يبرّد ليجلس عليه المريض .العفص عبارة عن حبات متوسطة الحجم
شركة السبسب: تستعملها المرأة في الأعراس " العقد التقليدي . و عندما تتزيّن المرأة يتغنّى الرجل بأغنية مشهورة
يا فرخ الحمام يا باهي الريشات
خذ منّي السلام إلى زينة البنات
آهم المراحل الخاصة بعرس الزواج
ـ إن الزفاف جانب غني وحافل بالشعائر ، فمهما بحثنا أو درسنا فلن نلم بجميع جوانبه ، لكن سنحاول من أن نتناول ولو القليل منه .
لقد كانت العروس تزف إلى بيت زوجها على ظهر الفرس أو الجمل أو البغل أو الحمار
قبل هذا كان أهل العريس قد حضرها ويقوم بقيادتها القوم أو الفرسان. وقبل هذا تكون التحضير للإحتفالات الخاصة عند العروس لمدة شهر كامل ، النساء يزغردن ، يرقصن وينشدن .
أما الرجال فيقومون بما يسمى " بالرحابة " أو السبّاحة و هي عبارة عن غناء نظيف وهذا بحضور جميع أهل الدوار. فإذا قلنا الرحابة ، فنجد كلمة ـ ترحيب ـ أي يرحّبون بالوفود و الضيوف . و إذا قلنا السباّحة ، فنجد كلمة ـ تسبيح ـ أي يسبحون الله و يحمدونه .
أما يوم العرس فيقوم العريس وأهله كما قلنا بإحضار" وسيلة نقل العروس " فيأتي ولي الأب ، منتظرا أمام باب منزل العروس حتى تخرج رفقة والدها ليقدمها لأبي العريس . لكن قبل هذا يشترط فيه نقودا عالبا ما تكون ذات مبلغ رمزي ، ثم يقدمها له لإبنه . وهذا الاخير يحملها على كتفيه ثم يضعها في الركاب حتى إيصالها إلى بيت الزوج أين تستقبلها أم العريس بكأس من الحليب والتمر وإعطائها القليل من الزبدة ، لكي تقوم بطلاء بيتها ، وهي مرتدية لباس أبيض محترم " بينوار " والنساء يزغردن والحناء في اليد ثم تجلس العروس بعدها لتستريح هي وأهلها ، وبعد فترة من الزمن تقدم للعروس القليل من " الرفيس " عبارة عن كسرة مفتتة ذات طعم حلو لامتزاجه بالسكّر . وبعض الحلويات هي وبعض الصغار حتى تكون أيامهم حلوة. أما في الخارج ، الرجال يشربون القهوة أو الشاي وهم في بشاشة كبيرة .... بعدما إهتموا بذبح الأغنام في الأمس ، يقدم للنساء لتحضيره للعشاء وتقديمه المدعوين المتمثلين في أهل العروس وأهل العشيرة . و من الأغاني التي كانت تردد :
أحنا جينا زيار و قاصدين للدار
حلّوا البيبان الشرقية
وبعد إنتهاء العشاء يأتي دور الرحّابة و هي عبارة عن مجموعتين ، تتكون كل مجموعة من شخصين أو ثلاثة على الأكثر . يقومون بالغناء أو الترحيب والتسبيح . مثل ـ الصلاة على النبي ...خاصة أغاني" عيسى الجرموني " وجميع أهل العرس مجتمعين يستمعون مع المدعوين و الضيوف ، إلى الأشعار مع الرقص . أما النساء فعندهن ما يعرف بغناء السراوي و هو غناء يحتاج إلى جهد و نفس طويلين .
و عندما تقترب قافلة العروس إلى بيت الزوجية ، تستقبل استقبالاً كبيراً ، فتخرج النسوة لاستقبالها في محفل كبير ، و هنّ ينشدن أغنية مطلعها
اراهم داروا الأعراس و المحفل جبّ
على كحلة الأرماش و طويلة الرقبه
أو
يا مرحبا بعروستنا يا مرحبا ......
وفي اليوم التالي من العرس ، يكون فيه الاحتفال كبيرا جدّا من غناء وزغاريد وطلاقات بارود وطهي ما يسمى" الغرائف " التي تعتبر أكلة جد تقليدية وهي عبارة عن دقيق من القمح وماء ثم يمزج هذا الخليط ليترك بعد فترة من الزمن لتأتي العروس بطهي القليل منه ، مع الإضافة للغرايف أو " البغرير " المعروف في بعص المناطق الدهون والسكر ، ثم تقوم بتقديم هدايا رمزية لأهل العريس من لباس وما شابه ذلك كما يقوم طفل صغير بتحزيمها وضربها على بطنها حتى تكون في نظرهم أنها قادرة على الإنجاب . وبعد مضي أسبوع من الزواج ، يقوم أهل العروس بدعوة أهل العريس وابنتهم أو ما يسمى بالنسائب تكريما لهم .
الخاتمة
و في الختام من كل ما سبق ذكره ، فإنّ هذا البحث الصغير ما هو إلا نظرة خاطفة عبر صفحات تقاليدنا الخاصة لمنطقتنا - حـمـام السخنة – التي نتمنى أن تبقى خالدة ، و إحياء ما اندثر و ما تركه لنا أجدادنا . كما نتمنى بأن يغوص شبابنا خاصة الجامعي منه في البحث عن تاريخ المنطقة . لم نتكلّم عن الكثير من الأشياء مثل ـ ضرب النقاب على الوجه ، و هي عادة عرب التل ، و لم نتكلم عن بداية تثبيت البدو الرحل في مساكن قارة و غيرها . و يمكن القول بإنّ عادات و تقاليد حمام السخنة هي جزء من عادات و تقاليد المنطقة كلها و جزء كبير من مناطق الهضاب العليا.فهي تشبه ما هو موجود بالعلمة أو سطيف أو برج بوعريريج .و مثل بريكة أو شلغوم العيد و حتى وادي العثمانية ، و على الشباب إتمام المشوار.