قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ * الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ}[الملك: 1-3] .
"الأحسن" قيمة قرآنيَّة
"الأحسن" هو العنوان الّذي عبَّر به الله عن ذاته المقدَّسة: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى}[الأعراف:180]، وهو الصّورة الَّتي أشار إليها عندما تحدَّث عن خلقه: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ...}[النَّمل: 88].
فأينما ولَّيت وجهك، لا تجد خللاً ولا تفاوتاً ولا اضطراباً: {مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ} [الملك: 3].
والإنسان؛ هذا المخلوق الّذي أسند اللّه إليه خلافته في الأرض، ليبعث الحيويّة فيها.. أبرزه الله بالصّورة الأحسن: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}[التّين: 4].
وهذا الأحسن نراه في أنبيائه وأوليائه الّذين عندما أرسلهم إلينا، أدَّبهم فأحسن تأديبهم، وطهَّرهم من الرّجس فأحسن تطهيرهم، وفي حديثه لعباده: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ...}[الزّمر: 23]، {كتابٌ أُحكمت آياته ثم فصّلت من لدن حكيم خبير} [هود:1]، والله سبحانه عندما اختار لنا القصص، اختار أحسن القصص {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ ...}[يوسف: 3]، وأتمَّ علينا أحسن النِّعم: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا...}[المائدة: 3].
فالأحسن، وليس مجرّد الحسن، هو الّذي أراده الله سبحانه أساساً لحركة عباده، وهو ما سيحمّلهم مسؤوليّته ويحاسبهم عليه يوم القيامة، فهو الّذي قال: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}[الملك: 2].
فالموقف بين يدي اللّه عزَّ وجلّ، لن يكون عنوانه من هو «الأكثر عملاً»، بل من هو «الأحسن عملاً»، أي الأصوب في عمله، والأكثر جودةً وإتماماً وإكمالاً وإتقاناً، وعلى أساس ذلك سيحاسبنا.
الأسلوب والعمل الأحسن
وقد أراد الله لهذه القيمة، "الأحسن"، أن ترافقنا في كلِّ ما نقوم به، ومهما كان: قولاً، أو مظهراً، أو حركةً، أو صنعةً، أو علماً، أو عملاً...
فالله يريدنا في قولنا، كما في استماعنا، أن نكون الأحسن: {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[الإسراء: 53]، {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ}[الزّمر: 18]، وأن يكون حوارنا هو الأحسن: {وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النّحل: 125]، {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[العنكبوت: 46]، وفي التّعامل مع أموال الآخرين: {وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[الأنعام: 152].
وفي معالجة الأمور، لا بدّ من أن تعالَج بالأسلوب الأحسن: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}[فصِّلت:34]. وعند التحيَّة، لا بدَّ من أن يكون ردّنا هو الأحسن: {وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا}[النّساء: 86].
والعمل الأحسن، هو ما حرص رسول الله(ص) عليه عندما دعا إلى العمل المُتقن، العمل المدروس والمحكم والمتميِّز، ولذا ورد: «لا يكن همّ أحدكم في كثرة العمل، ولكن ليكن همّه في إحكامه وتحسينه».
وتنقل لنا السِّيرة عن رسول الله(ص) أنَّه عندما رأى في لحد ولده خللاً سوَّاه بيده، ثم قال: «إنَّ الله يحبُّ إذا عملَ أحدكم عملاً أن يتقنه». وحتّى في الكفن حيث قال: «إذا كفَّن أحدكم فليحسن كفنه، وفي القبر احفروا وأعمقوا وأحسنوا».
والمَواطِن والأحكام الَّتي دعانا فيها الرَّسول(ص) إلى العمل بصفة "الأحسن" كثيرة، وهي تمتدّ لتتحرَّك في كلِّ الميادين، وقد اعتبر الإتقان أساساً في بناء شخصيَّة الإنسان المسلم.